ركضتُ ضِعْف المسافة التي أركضها عادةً و بِضعْف الحماس.
أركض لأزيل الحُزْنَ الذي تعفن في رأسي و الذي لُمتُ أهلي بسببه لمدة طويلة، طويلة
لحد الندم على ضياع الوقت، الحب و استبدالهما بالندم، الخوف و البُعْد.
أثار ركضي الكثيرين الناطقين و مثلهم غير الناطقين،
المجانين الذين أتى واحدٌ منهم مصدراً أصواتاً متشنجة و متحمسة لا أدري إنْ كانت
ساخرة أو مشجعة.
ركضت بقوة الجسد و الفِكر. كانت الموسيقى هذه المرة
إيقاع الخطوات و الأنفاس التي تتخللها خيالات بمستقبل لا نحتاج فيه الى رأتين و
قلب؛ فقد نجد طريقة أخرى لإيصال الأكسجين و الغذاء الى الخلايا (خاصة خلايا
الدماغ)، و أفكار عن أجهزة برمجية تستطيع القياس بلا حدود فتتعلم من الموسيقى أو
حتى أشكال النباتات هياكل برمجية و أنماط تحكم، تراكيب بيانات و خوارزميات معقدة
دون قيود، و وعود بمستقبل باهر و ثقة و إصرار بالمضي حتى وحيداً في مسيرة خاصة
للنجاح بمساهمة راقية لمن تبقى من الراقي من البشر و فخر بتحرري من ثقافات ضعيفة
باستهتارها بالعقل البشري، و تقليلها من شأن الإلهام و الأحلام و فخر بقوة أبي و
سُخْط على عالم ضائع صَعَّب حياته.
في صعود التلِّ قليل الانحدار، كثير التعب، لا يتبقى لي
غَيْرُ أحلامي و الألم لتلهياني عن التفكير بالوقوف قليلاً أو المشي. لكني أخاف
الوقوفَ فتمضي بدوني أحلامي، أو المشي فأشيخ فجأة فلا يتبقى لي غير المشي.
لست و حيداً، لكن أصدقائي القليلين وحيدون. ننتظر
جميعنا متمنيين انطلاق أحدنا الى اللانهاية ملهماً أعدائنا، أحبائنا و أنفسنا و
مذكراً لنا أن بقوة العلم، بعقولنا لا و لن ننتهي. و العلم لا يؤخذ إلا بقوة
الإرادة. ورثت عن أبي القليل من الحكمة و الكثير من القوة، الإرادة، الذكاء،
القدرة، الأصرار و الرغبة في التعويض عن عدم قدرتي على تعلم كل شيء منه و الرغبة
في تجاوزه و التفوق على نجاحاته العظيمة. فهذا أحد تبريرات هوسي و شغفي أيها
الضعفاء الذين أتجاهلهم كلَّ يوم كلما أتيتم بلا عقل، بلا قلب، بلا روح، و بلا أَمَلْ.
لكنكم لن تزعجوني كثيراً فبينكم مِنْ مَن لا يُرِيدُ البقاء معكم الكثيرين، الذين
يعلمون، مثلي، أن الحياة، عندما ننظرالى السماء و نراها أكثر من مجرد سقف، أجمل.
No comments:
Post a Comment